الخميس، 14 نوفمبر 2019

كرم صايغ لمجلة ياقوت: المسرحيون أصحاب الرؤية الخاصة مغيّبون

بقلم: نورهان النداف
من الشاطئ السوري إلى الغرب جسرٌ رسمه شاب يرسم الوجع بالحرف فيرقص الآخر على خشبة المسرح معنى مهيبا.
تذوب الحدود في مدفأة الفن، فلا قيود ولا سدود ولا حصون، فالروح واحدة في حضرة الكلمة، وهو للكلمة روحها.
يصوغها على مقاس الناس فيلبسوها دثارا، إنه الكاتب المسرحي الشاب كرم صايغ، كان لنا معه الحوار التالي..

- دعنا نتحدث عن المسرح اليوم عالميا ثم عربيا، إلى أين يذهب؟ وما أسباب غيابه؟
لا نستطيع التعميم في هذا الجانب؛ فالوجود المسرحي يختلف بين دولة وأخرى، فهو في لبنان مختلف عنه سورية، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية البلدان العربية وغير العربية. فبالرغم من تقارب المسافة الجغرافية والثقافية بين سورية ولبنان نرى تفاوتا بينهما في الحالة المسرحية.
أما المسرح بشكل عام فهو متراجع بفعل التطور الذي طرأ على وسائل الاتصال بين الممثل والجمهور، مع أنه كان متقدما على التلفزيون والسينما سابقا وكان في ذروة رواجه، لكن كفة الميزان اليوم راجحة لصالح التلفزيون والسينما دون أن يلغي ذلك قيمة المسرح. فكما تخوفت الصحافة المكتوبة من الراديو وكما تخوف الراديو من التلفزيون دون أن يلغي أحدهما الآخر، كذلك الأمر بالنسبة إلى المسرح الذي لن يغيب وإن أُهمل أو فلنقل غُيِّبَ بقصد.
- وما سبب تغييبه؟
المسرح نقطة التقاء الناس بالثقافة بصيغة بسيطة؛ فليس هناك ضرورة ليقرأ الإنسان كتابا كاملا لموليير ليعرفه، يكفيه أن يحضر عرضا مسرحيا لإحدى مسرحياته، لكن القائمين على الحركة الثقافية في البلدان العربية عموما تقوم بتسيير المسرح في الطريق الذي تريدها مما يحول دون تحقيق الغاية التنويرية للمسرح.
إن المسرح هو نتاج ثقافة الشارع، فعندما أكتب نصًّا مسرحيا فأنا أكتب ثقافة الشارع (كيف يفكر وكيف ينظر للأمور)، فيسلط الضوء على القضايا الاجتماعية المشكلة، لكنه لا يطرح الحلول بل يقتصر دوره على تهذيب النظرة الاجتماعية لهذه القضايا دون أن يُمَنهِجَ  الفكر الثقافي لدى الناس إلا إذا أراد القائمون على صناعة هذا الفن التأثير على الجمهور بما يتناسب ومصلحتهم، وهو ما فعلته الملكة إليزابيث حين طلبت من ويليام شكسبير أن يكتب لها مسرحيات تحفز الجمهور للحرب، فكان نتاج المسرح مُمَنهَجًا وهو ما يحدث إلى يومنا هذا.
كرم صايغ والأستاذ جورج خباز

- ألا يمكن أن يحقق التلفزيون أو السينما الغاية التنويرية؟ وما الذي يميز المسرح عنها؟
الهدف المشترك بين المسرح والسينما والتلفزيون هو الرسالة التي يقدمها كل منهم؛ فكل نوع من هذه الأنواع يجب أن يصور الواقع ويضيء على المناحي السلبية أو الإيجابية الموجودة فيه.
ما يميز المسرح هو قدرته على طرح القضايا صافية (خام)  دون إقحام الإعلانات أو الترويج للماركات وصيحات الموضة ضمن تركيبة العمل، ودون الاعتماد على جمال البطل وجاذبيته في إنجاح العمل. وربما تتشابه السينما مع المسرح في هذا الجانب فنراها خالية من الإعلان تقريبا.
إذن في النتيجة نجد المسرح اليوم يوظف الأفكار أكثر فيهتم بها ويقدمها صافية بعيدة عن التجارية.
- هل ترى أن الجمهور العربي جاهز لحضور المسرح بالإقبال القديم ذاته، أم أن مقولة (الجمهور عاوز كدة) تلعب لعبتها؟
الشعوب العربية ليست شعوبا أمية، ولم تأت نتاج الجهل والتخلف، بل نتاج حضارات لها تاريخها، لكن هذا الإرث الحضاري غُمِرَ عمدًا بزرع أفكار متطرفة من قبل من يلبسون عباءة الدين ومن يتبنون فكرا محددا يسعون لنشره.
الجمهور اليوم يتفاعل مع العرض المسرحي بكل أجوائه وكأنه ناقد أكاديمي بما لديه من ثقافة وأدب ثقافي يظهر في احترامه لأجواء العرض. فلو أردنا النزول عند رغبة الجمهور فهو من يريد المسرح ويفضل التفاعل المباشر مع الفن وإن وجدت أقلية تفضل الأشكال الفنية الأخرى.
- لنفترض عودة المسرح إلى مجده الأول وتبنيه إنتاجيا بمستوى موازٍ للتلفزيون، هل ترى أن نجوم الدراما السورية اليوم قادرون على العودة إلى المسرح بقوة؟
ليس هناك أي نجم تلفزيوني من نجوم الشاشة اليوم قادر على الظهور المسرحي رغم ثقتي الكبيرة بقدراتهم التلفزيونية، إلا أني لا أراهم على خشبة المسرح.
-الوضع العربي غير المستقر هل يؤثر في المستوى الثقافي؟ وإلى أين يتجه المسرح في ظل هذه الفوضى؟
الحرب في سورية أو لبنان أو غيرها من البلدان العربية لن تولّد ثقافة جديدة، فهي نتاج للثقافة العربية (ثقافة الحرب)، كذلك الفن عندنا هو نتاج حرب؛ فنرى مسرحيات الأستاذ الكبير زياد الرحباني  نتاجا لحرب لبنان في مرحلة ما، وكذلك كانت مسرحيات الأستاذ الكبير دريد لحام.
الحرب لن تغيّر منظومتنا الثقافية بل ستطوّر ثقافة الحروب لدينا لننظر نظرة إنسانية تجاه الأحداث، ومن الطبيعي أن يرتفع منسوب الثقافة والوعي بفعل الاغتراب والانفتاح على الثقافات الأخرى. فالثقافة المجتمعية تتطور وتتأثر إيجابا لكن الثقافة الفكرية تتأثر سلبا بمكان ما، فقد أغلقت مكتبات كثيرة في لبنان وسورية في ظل الحرب.

- أنت اليوم كاتب مسرحي سوري، ما الذي يأخذك من بلادك ليكون عرضك المسرحي القادم في كندا؟ 
مسرحية (نرجع نلتقي) ستعرض ف في كندا أولا لكن عرضها الثاني سيكون في سوريا، وهي تتناول الوضع السوري في ذروة الأزمة لتسلط الضوء على الاستغلال في بلد الاغتراب.
فكما يحق للجمهور داخل سورية أن يحضر العرض كذلك يحق للجمهور السوري المغترب أن يتابع ما يلامس واقعه.
بالإضافة إلى رغبتي بتصدير نفسي على مستوى أوسع من المحلي لتقديم رؤيتي الفنية للخارج أيضا.
- دعنا نتحدث أكثر عن مسرحيتك (نرجع نلتقي) وما بعدها..
(نرجع نلتقي) في المرحلة الأخيرة من التحضير، وستعرض في كندا في مسرح الكواليس العربي في كالغاري calgary بعد شهر تقريبا، وسيعلن عن موعد العرض قبل أسبوعين.
وتدور أحداثها حول قصة حب بين شاب وفتاة سوريين تفرقهما الحرب فيسافر الشاب خارج القطر لنرى ما يعانيه الشاب المغترب من استغلال وسواه.
وستحتوي المسرحية على أغنية كتبتُ كلماتها، وغناها عبد الهادي الركب وغزل عودة وهما سوريان مقيمان في الأردن، ولحنها يوسف ستيفان وهو أيضا سوري مقيم في أربيل، وأخرجها سليمان الذيب المقيم في كندا.
أما المسرحية الثانية فستعرض عام 2020م في اللاذقيّة، ولا أريد الدخول في تفاصيلها باكرًا، لكنها بشكل عام تدور حول المسرح اليوم، وهو شكلٌ جديد على المسرح في اللاذقية لم يطرح قبلاً.
- هل من بوادر لعودة المسرح بقوته الأولى؟
هذا يعتمد على وجود أشخاص حاملي فكر جديد للمجتمع، فالقليل الموجود غير كافٍ إضافة إلى أنّ المسرحيين أصحاب الرؤية الخاصّة مغيّبون، فلا وجود للمسرح المستقل عندنا لنطرح قضايا تحاكي المجتمع.


- من المسرح إلى السينما والتلفزيون، أين هو كرم صايغ؟
بالنسبة إلى السينما فلست غائبا عنها ولديّ تجربة سينمائيّة طيبة، وقد حزت جائزة أفضل سيناريو في الجزائر عن فيلم (لم أكن أنا)، وهو فيلم يطرح قضايا تخص المجتمع السوري، ومن الأفلام التي كتبتها أيضا (ليلة هادئة/رسالة من الأعلى) كما جسدت دور البطولة في (فيلم حكي).
أما الدراما فقد تراجعت عما كانت عليه، وأخذت نجوم الصف الأول إلى أماكن لا تشبههم سابقا، فالقضية تكمن في النوع الذي يلامس الواقع ويتناول قضايا غنية.  ففي الموسم الرمضاني الأخير لا نجد سوى عمل أو عملين استطاع أن يلامس الشارع السوري بين مجموعة كبيرة من الأعمال التي قدمت فيه.
أضيف إلى ما ذكرت تمسكي بالمسرح وإيماني بقيمته؛ فالمسرحي الحقيقي لا يستطيع أن يبتعد عن خشبة المسرح وستارته ولا يطيل البقاء فيما عداه. ولكي أكون صريحا سأقول إن دخولي السينما والتلفزيون هو بوابة لتقديم أعمالي المسرحية وانتشاري مسرحيا، فأنا أحب التفاعل المباشر مع الجمهور وهو ما يحققه المسرح.
بقلم: نورهان النداف

0 Comments

إرسال تعليق