إذا كانت غلطة الشاطر ألفاً فهل تكون سقطة الفنان كذلك؟
وهل يوازيها قبول اعتذارات الفنانين عن سقطاتهم بصدر أوسع؟
إن حسن قراءة المعنى مكملٌ للمعنى فمجملٌ له أو مشوّه، حاله حال الغني يلبس ثياباً رثّة فلا تظهر عليه النعم ولا عجب من ناظر إن ازدراه أو استخف به.
ولا يختلف حال الغني هنا عن حال الفنان أياً كانت صنعته حين يخطئ الأبواب التي يعبرها والمسالك التي يسلكها..
وكثيراً ما نجد أسماء برزت في الأوساط الفنية على اتساعها وقد كان أكثر حظها من النجاح حسن الاختيار وأقلّه الموهبة، وفي المقابل نجد أسماء كثيرة وطأت مواطئ لا توازيها في الألق فخبا ضوءها وزال عنها البريق.
تكثر هذه السقطات في الوسط الفني السوري وأخص هنا الممثلين الذين التجأوا _لاسيما في العقد الأخير_ إلى خوض تجارب لا تليق بهم مجبرين بدافع الكسب المادي أو مختارين بدافع البقاء في الواجهة للحفاظ على حضورهم قيد التذكّر.
ولو أردنا التدقيق في هذا الأمر لوجدنا العقد الأخير من عمر الدراما السورية كفيلاً بإيضاح المسألة واستحضار تجارب كثيرة يصعب حصرها هنا، ولعل أبرز تلك التجارب كانت لأسماء امتلكت الموهبة والجاهيرية فظلمها سوء الاختيار أو ربما سوء الطالع..
فمعتز (باب الحارة) لسنوات عديدة هو ((علي)) في (دليلة والزيبق) وهو ((جواد )) في (لعنة الطين) وهو من هو في أعمال كثيرة أحبها المشاهد إلا أنه لم يسجل فارقا في الأداء الفني كما فعل في (دليلة والزيبق)، لكننا نجد الفنان وائل شرف عالقا في دائرة الأعمال الشامية لسنوات حتى كاد يقتصر حضوره في الذاكرة العربية ضمنها، ولعلها قد ظلمته بقدر ما أكسبته من جماهيرية.
وبهلول في (أعقل المجانين) هو ((برهوم)) في (الفصول الأربعة) و((غليص)) في (الانتظار) والكثير غيرها مما قدمه الفنان آندريه اسكاف الذي آثر المكوث في الحقل الكوميدي الذي لم يقدم له في الغالب ما يوازي قدراته الفنية الرفيعة.
وقد تضيق الحظوظ على الفنان رغم علو كعب أداءه وانكشاف موهبته فلا يوفق إلى الكثير من الفرص التي تتيح له كسب السبق في ذاكرة المشاهد الطويلة فيضطر الفنان حينها لفرد جناحي موهبته في علبة هي أضيق من أن يطير داخلها، حتى يحسبه الناظر عاجزا عن التحليق في سماوات أرحب.
الأمر الذي يخفف اللوم عنه حين يذهب مذهباً لم يكن ليرتضيه لنفسه، وهو ما حدث مع الفنان (يحيى بيازي) الذي ظلمته المساحات الضيقة فلم يفلح في الطيران فلما اختار ما يسيء المشاهد تراجع وأبدى ندمه، ما يجعلنا ندرك أنه لم يكن ليختار اختياراً لا يشبهه لو وفق إلى ما يليق به.
وهنا لا أقف لأسوغ سوء الاختيار بل لأدين ظروف الصناعة التي تحرم الفنان من أن يكون فناناً..
اعداد : نورهان النداف
0 Comments
إرسال تعليق