كانت معكم شيرين أبو عاقلة..
كانت معنا فعلًا، كانت معنا مذ كنّا نسمع صدى صوتها على قناة الجزيرة تنقل دقائق الحدث من الميدان، حينما كانت ولم تزل حتى كلامها الأخير - "في الطريق إلى هناك، أوافيكم بخبرٍ فور اتّضاح الصورة" - فلسطينُ قضيّتها الأكبر التي تستحق الوقوف في وجه الرصاص، وتستظلّ بالكلمة لنصرة إيمانها العميق.
فعلًا شيرين كانت معنا؛ في كلّ مرة تقف فيها وراء الشاشة تنقل وتتحرّى وتعاين مسار البنادق تغزّ قلوب العدوان المسيطر على الأرض. كانت معنا؛ لأننا تعلّمنا كيف تُفتَح الأفواه المكمّمة بإرادة أصحابها لإظهار أنّ القذائف بإمكانها أن تنطلق من غير فوّهات المدافع، وبأنّ الخرائط الوهمية لم تلغِ موضع خطوتها.
يذكرني اغتيالها وتقصّد اغتيالها باليوم الذى استيقظ فيه العالم العربي مرعوبًا صاخبًا من نبأ استهداف غسان كنفاني كصاحب أقوى جيش يستعمل فيه قلمه محلّ البندقيّة والمِتراس والخوذة، ما أقلقهم وجوده لمعرفتهم فضل الكلمة وأثرها في صدر مسلوب الوطن والدار، وكم من شعب سيهبّ في وجه عاصفة مستغصبه! فسيّلوا دمه ملء بيروت لتمتصه الأرض التي وعدت بخروج شيرين أبو عاقلة من بعده، واقفةً وسط الميدان وتقول " معكم" .
ويظلّ غسان واثقًا من أنّ قرطاسه لم يمت إذ أماتوه، وشيرين لم تمت إذ صوّبوا باتجاه الرأس، فمن يعيش ليحمل عبء القضية على كتفه لن تموت فيه ولو فني الجسد وسقط ممددًا جانب الجدار يبثّ مشهده الأخير. ويستحضرني قول محمود درويش في اغتياله؛ كون غسان يشكّل جغرافية الوطن ومساحته الحرّة: " اكتملت رؤياك ولن يكتمل جسدك.
تبقى شظايا منه ضائعة في الريح، وعلى سطوح منازل الجيران، وفي ملفات التحقيق. ليست أشلاؤك قطعًا من اللحم المتطاير المحترق، هي عكا وحيفا والقدس وطبريا ويافا، طوبى للجسد الذي يتناثر مدنًا." وطوبى لكلمة الحقّ تمشي مشي الأسود في الاقتحام، وتركل أبواب الحصار بثباتها وشجاعتها. معنا، من جنين، من القدس المحتلة، من الطفولة، من الذاكرة ...شيرين كانت الصوت المسموع، مهما اشتدّ نزفنا بأنّنا ومع كلّ فقد مثيل لها سنظلّ نفتقد بعضًا من ذواتنا وذاكرتنا.
كتابة : مروة المنصور
0 Comments
إرسال تعليق