موجة الكورونا الجديدة بالصين... القصة الكاملة.
ماذا يحدثُ في الصين؟ وكيف عادت الكورونا إلى أراضيها؟ وماذا فعلت الصين لاحتواء الانتشار والقضاء على الفيروس من جديد؟
القصّة بدأت يوم الخميس 11 حزيزان، عندما أعلنت الصين عن تسجيل أوّل إصابةٍ بالعاصمة بكين، بعد مرور حوالي الشهرين بدون أيّ إصابة، وأول إجراءٍ تمّ اتّخاذه مثل كلّ دول العالم هو حجر المريض، ثمّ بدأت التحقيقات مع المريض، لمعرفة كلّ المخالطين له والأماكن التي زارها، وكان من بين هذه الأماكن سوقٌ لبيع الأسماك والمواد الغذائية بالجملة، والذي يُعدّ واحداً من أكبر أسواق البيع بالجملة على مستوى الصين وآسيا.
في اليوم الثاني وخلال توسّع التحقيقات والفحوصات، تمّ تسجيل إصابتين لرجلين يعملان بمعهد بحوثٍ قريبٍ من سوق الغذائيات الصيني، واللذان أكدا زيارتهم للسوق خلال الأيّام السابقة.
ومن هنا بدأت كلُّ الأنظار تتوجه نحو هذا السوق، باعتباره المكان المشترك للحالات الثلاث المسجلة.
وهكذا بدأت الإجراءات الجدّية للحكومة الصينيّة، واستنفرت كلُّ الجهات العامّة المرتبطة بالحدث وتوجّهوا للسوق المذكور وتمّ إغلاقه بالكامل.
الشيء الإيجابيُّ والجديد الذي فعلته الصين، أنها قبل تعقيم السوق أجرت مسحاً شاملاً له وأخدت عيّناتٍ كثيرةٍ منه، وهنا كانت المفاجأة الأولى، حيث وُجدت بقايا الفيروس على أحد ألواح تقطيع سمك السلمون المستورد، وهنا دخل الشك من جديد والحيرة بدأت بكلِّ تأكيد.
هل يُعقل أن يكون سمك السلمون هو مصدر الفيروس، والخفّاش بريءٌ من كلّ الاتهامات؟ أم أنّ هناك لغزٌ غامضٌ في الموضوع، والسمكة خارج نطاق الاتهام؟ تابعوا معي لنكتشف اللغز.
الصين أخذت العينة الموجودة على لوح تقطيع السمك للتحليل، كما فعلت مع عينات أوّل إصابتين.
وخلال عدّة أيّامٍ وبسبب ضغط منظّمة الصحة العالميّة للإسراع بنتائج التحاليل، فالصين خلال زمنٍ قياسيٍّ قامت بنشر التسلسل الجينوميّ للفيروس، والتي كانت متطابقة بالعيّنات الثلاث التي تمّ تحليلها، وهنا كانت الصدمة الثانية، أنّ الفيروس المكتشف مشابهٌ لأحد سلالات الفيروس المنتشرة بأوروبا، ومختلفٌ عن السلالة التي انتشرت سابقاً في الصين.
بتوسيع التحقيقات أكثر تبيّن أنّ مصدر شحنة سمك السلمون التي اكتشف عليها الفيروس كانت قادمةً من أحد الدول الأوروبيّة، وهكذا ومع ترابط الأحداث وتتالي الدلائل فمعظم الخبراء والعلماء استبعدوا أيّ صلةٍ للسمك بالفيروس، وغالب الظن أنّ الفيروس انتقل من البشر خلال عمليات الصيد والنقل واستقر بشحنة الأسماك قبل ارسالها للصين.
وطبعاً هنا دخل العلماء بحيرةٍ جديدة، وهي المدّة التي يمكن أن يبقى فيها الفيروس نشطاً خارج جسم المضيف، ومن هنا بدأت تحقيقاتٌ جديدةٌ لملاحقة مسار الشحنة، وتحديد الزمن الذي استغرقته للوصول من أوروبا للسوق الصينيّ، مع دراسة كافّة ظروف الشحن والتخزين من حرارةٍ ورطوبةٍ وتهويةٍ وعوامل أخرى متداخلةٍ بالحدث، أي باختصار فتحت للعلماء والخبراء باب رزقٍ جديدٍ لتنفيذ أبحاثَ جديدة.
الآن وبعد أن عرفنا قصة الموجة الجديدة وتعرّفنا على مصدرها، حان الوقت للحديث عن آثارها ودرجة انتشارها، والأهمّ من ذلك معرفة الإجراءات المباشرة التي اتخذتها الصين للسيطرة عليها بأسرع وقت.
هنا يجبُ توضيح نقطةٍ في غاية الأهميّة، وهي التهويل الكبير وتضخيم الخبر بين الناس، فقد ظهرت كثيرٌ من الشائعات التي تتحدث عن عودة الفيروس للصين بالآلاف، والحقيقة أن العدد الإجماليّ للإصابات المسجّلة لم يتجاوز 250 إصابة خلال 13 يوماً حتى لحظة إعداد هذا المقال.
ربما كانت الإجراءات الصارمة جداً والمتخذة من قبل الحكومة الصينية، والتي سأتكلم عنها تِباعاً، هي سبب التضخيم والاشاعات بين النّاس.
الإجراءات كما ذَكرت بدأت بحجر الإصابات الثلاثة المكتشفة وكل المخالطين لهم، وإغلاق السوق بالكامل وإجراء مسحٍ شاملٍ له قبل تعقيمه، ثمّ تمّ تجميع كلّ عمّال السوق بهدف إجراء فحوصاتٍ إجباريةٍ للجميع، وبالفعل تمّ كشفُ 56 حالةٍ إيجابيةٍ بين عمّال السوق ومعظمها بدون أيّة أعراض.
الإجراء الثاني تمثل بإلزام كلّ المتاجر ومحلات بيع المواد الغذائيّة التي اشترت أيّ بضائع من هذا السوق بالأيام الأخيرة ب تعقيمها بالكامل، وسحب كلّ الأسماك من رفوف وبرادات هذه المتاجر.
الإجراء الثالث تمثّل بتعليق دوام المدارس والجامعات وكلّ الفعاليات الرياضيّة والثقافيّة، وتمّ إعلان حالة الطوارئ من الدرجة الثانية.
الإجراء الرابع والأهم تمثّل بإغلاق بكّين بشكلٍ شبه كامل، ومنع الدخول والخروج منها وإيقاف حوالي 1200 رحلة طيران مقرّرة من وإلى بكّين، وتقييد حركة معظم القطارات، وتقسيم أحياء بكّين إلى ثلاث مناطق رئيسة حسب درجة الخطورة وربطها بتطبيقٍ خاصٍ على الهاتف المحمول، وهي مناطق شديدة الخطورة ومناطق متوسّطة الخطورة ومناطق قليلة الخطورة.
بالنسبة للمناطق شديدة الخطورة فضمّت الأحياء المحيطة بالسوق، وهذه الأحياء تمّ إخضاع جميع سكانها للحجر والفحص الإجباريّ، والذي بدأ بمعدل 90 ألف فحصٍ يومياً، وارتفع تدريجياً لحدود 230 ألف فحصٍ يومياً، وهذه الأعداد في تزايدٍ يومي، وقد أجرت الصين حوالي 2ونص مليون فحص حتّى تاريخ إعداد هذا المقال، والحقيقة فهو رقمٌ كبيرٌ جداً ولم تصل إليه أيّ دولة في العالم خلال هذه المدّة القصيرة.
المناطق متوسّطة الخطورة ضمت 27 حي، وهذه الأحياء لم يُجبر سكّانها على الحجر الالزامي، ولكن مُنعوا من مغادرة أحيائهم، وتمّ الطلب من سكّان هذه الأحياء بالتعامل بحذرٍ كاملٍ والابتعاد عن أيّ اختلاطٍ لحين إعلان السيطرة على الفيروس وإجراء أكبر عددٍ من الفحوصات لسكّان هذه الأحياء.
أمّا المناطق قليلة الخطورة فاستمروا بحياتهم شبه الطبيعيّة مع الالتزام التام بإجراءات السلامة والوقاية، كما مُنعوا من مغادرة بكّين قبل إجراء فحصٍ جديدٍ للكورونا.
وهكذا نرى أنّ الصين تعلّمت الدرس، ولم تقع بنفس أخطاء مقاطعة ووهان، ورغم أنّ أعداد الإصابات المكتشفة خلال أسبوعين قليلةٌ جداً مقارنةً مع عدد الفحوصات المنفذة، والتي بلغت 250 إصابة من أصل 2ونص مليون فحص، أي بنسبة إصابةٍ واحدةٍ فقط لكلّ 10 آلاف فحص، إلّا أنّ الصين تعاملت مع الموجة الجديدة وكأنّها اجتاحت ملايين الناس، والهدف هو السيطرة عليها بأسرع وقتٍ ممكن.
وآخر حصيلة إصاباتٍ معلنةٍ في الصين بتاريخ 23 حزيران قبل إعداد هذا المقال كانت 9 إصابات فقط، منها 6 إصابات داخل العاصمة بكّين و3 إصابات خارجها ولكن لحالاتٍ مرتبطةٍ بها، ومعظم المحللين والمتابعين للوضع الصينيّ يتوقعون أن يتمّ إعلانُ الصين منطقةً خاليةً من الكورونا خلال أسبوعين إلى شهر على أبعد تقدير، وبهذا تكون الصين قد ربحت الجولة الثانية لمعركتها مع هذا الفيروس.
ولكن يا تُرا ماذا يخبّئ هذا الفيروس اللعين للبشريّة خلال الأيام والأشهر القادمة؟ الله وحده هو العليم، ودمتم بألف خير
اعداد : محمد هاني حرح
أصدقائي القرّاء من يوّد المشاركة في مسابقة حقائق العلوم الأولى يمكنه الاطلاع على أسئلة المسابقة وتفاصيلها من خلال الفيديو المرفق هنا
0 Comments
إرسال تعليق