السبت، 29 أغسطس 2020

شارع شيكاغو من الجرأة الى النص المسروق! ماذا يحدث؟

بعد الزوبعة الإعلامية التي أثارها مسلسل شارع شيكاغو بالبوستر الذي جمع مهيار خضور وسلاف فواخرجي بمشروع قبلة لم تمم فاجأ العمل الجمهور بمشاهد غير مسبوقة في الدراما السورية لقبلات مكتملة هذه المرة تكررت أكثر من مرة وأثارت اختلافا جديدا يضاف إلى خلافات الشارع السوري حول ما هو في الواقع وما يجب أن يكون أمام الكاميرا.
أما المفاجأة الكبيرة التي زلزلت أركان العمل وزادت الطين بلة كانت في التصريح الذي أفصح عنه الكاتب العراقي شاكر الأنباري الذي اتهم صناع العمل بسرقة فكرة روايته التي تحمل اسم (الراقصة) دون أي إشارة تسوغ هذه السرقة وتدرجها تحت بند الاقتباس أو الاستيحاء الذي كثيرا ما يحدث في الأعمال الدرامية!
وكتب في منشوره عبر فيسبوك
((رواية "الراقصة" تلقي ظلالها على مسلسل "شارع شيكاغو"))
شاكر الأنباري
(("شارع شيكاغو" مرتكز رئيسي من مرتكزات رواية الراقصة، التي صدرت في دمشق عن دار المدى عام 2003، وهي مكرسة لدمشق، ومن بين رواياتي كلها هي الوحيدة التي لا علاقة لها بالعراق وأحداثه. بطل الرواية "رؤوف وحيد الدين" يرى دمشق بعينين مختلفتين، فهو من عائلة مهاجرة منذ زمن بعيد استقرت في العاصمة وتكيفت مع حياتها، وكونه مهاجرا عمد إلى الاندماج معها عبر استرجاع تاريخها، وكأن الذاكرة هي المعادل الموضوعي للانتماء إلى نسيج الواقع.
كتبت الأحداث بثلاثة مستويات لتلك الذاكرة، المستوى الزمني البعيد وتمثّل باسترجاع مذكرات "البديري الحلاق" وما دونه من يوميات دمشق في حقبة آل العظم والدولة العثمانية، ومستوى الماضي القريب وتمثل باسترجاع شخصيات وأحداث "شارع شيكاغو"، وقد عاش رؤوف وحيد الدين، بطل الرواية، جزءا من شبابه في ذلك الشارع أو عاصر حكاياته، وأمكنته. ثم الحاضر الذي يتحرك فيه رؤوف وحيد الدين متنقلا بين الخمارات برفقة شلته من الصعاليك المثقفين ، وتجواله في الأزقة والحارات باحثا عن ماغي الراقصة التي كانت ذات يوم ملكة شارع شيكاغو، وجسدت له في تلك الفترة حلم الأنثى الخالدة.
دمشق لبطل الرواية هي تجاربه الروحية بعد أن صار شيخا، ثم مات لاحقا إثر فقدانه لزوجته ورحيل أولاده. وهو قبل موته يتذكر تفاصيل الشارع "شارع شيكاغو" بوضوح، حانة "الوردة الزرقاء"، والراقصة ماغي، ووجهاء دمشق، وأجواء المدينة الصاخبة. وعبر تواشج تلك المستويات من السرد، والشخصيات، والأحداث، قيض لرؤوف وحيد الدين أن يحس بالانتماء إلى دمشق، لقد امتلك ذاكرتها. وهي بشكل عام مشكلة كل المغتربين، والمهاجرين الذين يجدون أرواحهم وقد اقتلعوا من بيئة الطفولة وزرعوا في بيئة جديدة، وهم يحاولون تكوين هوية لهم عبر الانغمار في تفاصيل الأمكنة، وذكرياتها، سواء القريبة أو البعيدة. ذلك هو المبرر الفني، حسب رؤيتي، لحضور شارع شيكاغو في روايتي الراقصة، وكان على أية حال اجتهادا فنيا لرسم شخصية بطل الرواية.
جذب انتباهي مسلسل "شارع شيكاغو"، الذي تبثه قناة " osn" في الساعة الثامنة مساء بتوقيت كوبنهاغن، وهو يرصد قصة فتاة دمشقية في فترة الستينيات، وبدلا من "ماغي" الرواية، سماها كاتب المسلسل "محمد عبد العزيز"، وهو المخرج أيضا "ميرامار"، وبمشاركة طاقم عمل منهم دريد لحام، وسلاف فواخرجي، وفايز قزق، ووائل رمضان، وأمل عرفة، وشكران مرتجى، ومن انتاج شركة "قبنض". وقد تساءلت مع نفسي قبل عرض المسلسل هل أن العمل مستند إلى روايتي "الراقصة" ومن ضمنها "شارع شيكاغو" ؟ لأنني اتناول في محور شارع شيكاغو فتاة متمردة وتمتهن الرقص، وتغوص في بيئة دمشق الفكرية والاجتماعية وليالي المدينة الحمراء. ميرامار (سلاف فواخرجي) فتاة تهرب من عائلتها بمساعدة مراد (مهيار خضور)، وتغني في حانة ستيلا، وشارع شيكاغو بليله المعبأ بالخمرة والصعاليك والدسائس، والشارع كان معروفاً في دمشق خلال عقد الستينيات حيث كان يجتمع فيه المثقفون والصحافيون وأصحاب الموضة والشرطة السرية، وتحصل فيه نقاشات فكرية واجتماعية.
طبعا قبل أن أكتب رواية الراقصة وأجواء شارع شيكاغو لم أجد أي نص يتعرض للشارع، وأحداثه، الشارع الذي شغل المدينة طوال عقود من حياته، وهو يقع قريبا من ساحة المحافظة ومقهى الهافانا، ولا يتعدى طوله المائة متر، وأغلقت حاناته ومقاصفه في الثمانينيات من القرن الماضي. في العام ألفين، وكنت أعيش في سورية، بدأ خاطر الكتابة عن دمشق يستولي على هواجسي، لأنني عشت فيها فترة غنية من حياتي، سواء على صعيد العلاقات الاجتماعية أو على صعيد النخب الثقافية، وغصت في زوايا المكان وتفاصيله لسنوات طويلة. وشجعني على ذلك قراءة كتاب البديري الحلاق عن دمشق، ودونه على شكل يوميات، مما ألهمني في رسم الخطوط الرئيسية للأحداث. في بيت الشاعر الراحل بندر عبد الحميد كنت ألتقي بالمفكر "برهان بخاري" الذي وجدته هو الآخر مهووسا بتاريخ المدينة وأحداثها، خاصة شارع شيكاغو. أخبرت برهان بخاري بنيتي كتابة رواية عن دمشق فتحمس للمشروع، وراح يغذّيني بمعلومات وحكايات عن الشارع، بالأسماء والأمكنة، وأهم النوادر التي حدثت في الشارع. قضيت مع برهان بخاري جلسات طويلة حول تاريخ الشارع وأحداثه، وكنا بعض الأحيان نجلس في بار ما مواصلين الحديث عن ذلك التاريخ البعيد. وجدت بعد تأملات في ما نقوم به أن شخصية برهان بخاري مناسبة لتلعب دور بطل الرواية، مع رتوش فنية تناسب نمطية البطل الذي يتشكل في خيالي، وأطلقت عليه اسم رؤوف وحيد الدين، وهو مثل برهان من أصل شيشاني، مع تكييف شخصيته مع أجواء العالم السفلي. لذلك جاءت أحداث شارع شيكاغو في الرواية سبقا متخيلا لاستعادة تلك الحقبة، حقبة الستينيات، وتمركزت الاستعادة على شخصية الراقصة "ماغي". وشخصية الراقصة ماغي تحمل، رغم عبثيتها، بعداً انسانياً، وثقافيا، فهي تشعر بالكراهية لنسيم بيك الذي كان واحدا من المجتمع الارستقراطي آنذاك، يمتلك قصرا في الزبداني بواجهات عديدة وشرفات مليئة بالزهور والنباتات، وتكره ذلك الجو المرتبط بالاستعمار الفرنسي، وكان البسطاء من الناس أقرب الى روحها.
وجدت أن المداميك الرئيسية في المسلسل مأخوذة من الرواية، ومنها جريمة القتل التي حدثت في ليلة ثلجية من ليالي دمشق، ولم تكتشف جثة القتيل حتى ذاب الثلج عنها. وهذه اللقطة موجودة في المسلسل لكن بصيغة أخرى. ولعل تقنية الاسترجاع، استرجاع الزمن بين فترة شارع شيكاغو والوقت الحاضر أهم ما التقطه صاحب المسلسل من الرواية، لأن تلك التقنية هي العمود الفقري للمسلسل برمته. يستفيد من هذه الفكرة، الانتقالات بين الماضي القريب والحاضر، عبر "ميرامار" ، "ماغي" في الرواية، وعبر مراد صديقها. طبعا لا يدرك تواشج أحداث المسلسل مع رواية الراقصة سوى الكاتب، فهو من خبر التفاصيل ورسم الأجواء، ويتذكر رائحة شارع شيكاغو وأضواءه وقد زاره بعد الإغلاق أكثر من مرة، وأعتقد أن المخرج وهو نفسه كاتب السيناريو، استفاد من أحداث الرواية بصيغة انتقائية، مضمرة، لكن بشكل متذاك، كمن يسرق حصانا ويحاول تغيير جلده بالأصباغ كي يصبح حمارا. على سبيل المثال أجواء شارع شيكاغو في الستينيات، وحركة الأحداث بين الماضي والحاضر كما جاءت في رواية الراقصة، وعزلة البطل في منزله وهو يجتر خيباته وماضيه محتسيا خموره، وقام بالدور "عباس النوري"، ويذكرني ببطل روايتي رؤوف وحيد الدين وهو يعيش زمنين، زمن الحاضر الدمشقي وزمن شارع شيكاغو وكان زمن يفاعته وموبقاته.
وقد استبدل المخرج اسم الراقصة "ماغي" كما جاءت في الرواية، باسم ميرامار وجعلها مغنية، ومثّلت الدور "سلاف فواخرجي" وبعد متابعة حلقات المسلسل أستطيع القول بقناعة إنه لم يعجبني بسبب تفككه، والتلفيق الساذج في الأحداث، وسطحية رؤية المعالجة، والاستعراضية غير المبررة. بطل المسلسل في الحاضر عباس النوري يدخن بإفراط كما في الرواية، ويعاني من المرض والذهان، ويعيش وحيدا في بيته. بطل شارع شيكاغو يجسّده مهيار خضور المحب للمتعة والشرب ويعشق ميرامار ويهتم بالكتابة والصحافة كما في مشهد جلوسه على الطابعة في بيت أمه، والرواية كانت توحي أيضا بأن رءوف وحيد الدين يكتب يومياته الدمشقية ونحس في المسلسل أنه يقوم بالفعل ذاته. بطلة شارع شيكاغو ميرامار، وتظهر مغنية، بينما في الرواية هي ماغي وتشتهر بالرقص والغناء، ومثلتها سلاف فواخرجي، ولا أعرف لماذا أظهرها المخرج عمياء. ماغي الرواية تهتم بالثقافة، ولديها روح تصوفية، ومثالها في الحياة هي زنوبيا ملكة تدمر كما جاء في الرواية. في حين أظهر المخرج تصوفها عبر رقصة قامت بها في بيت صديقتها، وشاهدناها وهي تدور على نفسها وتصيح: قدّوس قدّوس. في الرواية كان هناك شخصية المطعم النقّال الذي يجول على رواد الحانة حاملا بصندوق مثبّت في ظهره الأكلات الخفيفة التي يحتاجها المدمنون الفقراء ممن لا يمتلكون ثمنا لوجبات فخمة، وفي المسلسل استعاض المخرج عن المطعم النقال وصندوقه واستبدله بصندوق الفرجة المعروف في تلك الفترة.
اسم الحانة المشهورة في الرواية "الوردة الزرقاء"، سماها المسلسل مشرب "ستيلا" وتدور أحداث الرواية في هذا المشرب. ولإبعاد الشبهة عن تأثره بالرواية شاء المخرج أن يضع حانة ثانية جنب حانة الوردة الزرقاء سماها مشرب الشباب، وجعل زوايا حانة ستيلا تشع بالأزرق عبر أضواء خافتة، بدلا من استخدام الاسم الاصلي في الرواية وهو الوردة الزرقاء. وفي الرواية يصل رؤوف وحيد الدين بعد موت زوجته وعيشه متوحدا في غرفة بمساكن برزة، إلى حالة الذهان والشرود والتخيل، حيث يرى زوجته فاطمة في أكثر من مكان وموقع، وبذكر هنا أن زوجته فاطمة قضت بحادث سيارة في المزة، بينما يرى مراد في المسلسل ميرامار ذهنيا كلما جلس وحيدا في بيته، يحادثها ويعلن لها شوقه بعد أربعين سنة من غيابها. أو يظهر له شبحها في السينما إمعانا من المخرج في التغريب وابعاد شبح الرواية.
شارع شيكاغو الرواية كان يحتوي على اسم سينما "الأهرام" ونوعية الافلام التي كانت تعرض في تلك الفترة، وقد أبقى المخرج اسم السينما ذاته في المسلسل. وقد اغلقت وزارة الاوقاف شارع شيكاغو بحجة انه يبعد أقل من مائة متر عن جامع الطاووسية المملوكي، وهو ما ورد في الرواية والمسلسل ايضا. لكن اغلاقه تسبب به زبون شارع شيكاغو "ابو الفهم" حسب الرواية، الذي استاء من عصابات شارع شيكاغو وتجّاره ومتنفذيه، فلم يمدوه بالمال لذلك نبش ذلك القانون من أرشيف القصر العدلي وتسبب بإغلاقه نكاية بنخبة شارع شيكاغو. في المسلسل عرض صراع بين الاخوان المسلمين وساكني الشارع وهو ما تسبب بغلقه. كان رؤوف وحيد الدين يزور صالات المعارض التشكيلية ومنها صالة عرض المنحوتات، بحثا عن تمثال زنوبيا التي قيل ان ماغي الراقصة كانت تعتبرها مثالا لها، هي ملكة تدمر وماغي ملكة شارع شيكاغو، لكن المخرج وظف تلك الصالة بقصة حب جانبية، وهو عادة ما يلصق مشاهد جديدة أو يفبركها أو يزجها عنوة على الأحداث لغرض إضفاء الغرائبية على المسلسل. وأدخل المخرج السياسة في المسلسل وجعل لها ثقلا كبيرا، الوحدة وجمال عبد الناصر والمكتب الثاني وحميد السراج، بينما لم يكن لها ثقل في الرواية. ثقل الرواية انصب على الفضاء الفكري، والفلسفي، والاجتماعي، لدى النخبة المثقفة في أواخر الألفية الثانية أكثر مما تناول السياسة ودهاليزها الداخلية والخارجية.
كما اعتاد بطل الرواية رؤوف وحيد الدين زيارة المقبرة التي ترقد فيها زوجته، وكان بعض أصدقائه ممن فقد حبيبته أو زوجته يفعلون ذلك، وكذلك يفعل مراد بطل المسلسل بعد أن اصبح شيخا طاعنا في السن ومريضا. في الرواية يستضيف التاجر والمالك نسيم بيك في قصره في الزبداني الراقصة ماغي، وذات مرة ملأ البانيو بالشمبانيا لكي تغتسل به، وكذلك فعل الضابط الكبير المتقاعد برهان، لكن هذه المرة مع بائعة هوى في دمشق الحاضر "أمل عرفة"، لكن بدلا من احتفائه بها بالشامبانيا قام الأخير برش سريرها وغرفتها بأوراق الورد الجوري مبالغة بالاهتمام.
ولاحظت من خلال مشاهدتي أن المخرج وكاتب السيناريو محمد عبد العزبز يستل بعض الأحداث من الرواية ثم يولّد عليها شخصيات أخرى، مثل الضابط المحقق الذي يعاني من مرض عضال وهو كما جاء في الرواية "مفيّز" أي قريبا سيموت، وقام بالدور وائل رمضان. وتدور حركة وائل رمضان في الحاصر وهو يبحث عن خيوط جريمة غامضة. مظاهرة العاهرات في شارع شيكاغو جاء بها كتاب البديري الحلاق في يومياته، وهي موجودة في الرواية، أما المخرج فنقلها إلى فترة شارع شيكاغو. مشهد المعركة بين قبضايات شارع شيكاغو تنتهي بموت واحد منهم جاء في المسلسل كما في الرواية، واخراج السكارى والمدمنين من حانة الوردة الزرقاء كونهم لا يمتلكون نقودا لشراء مزيد من الشراب من قبل الحرس تكرر في سرد الرواية واستفاد منه المسلسل. وكذلك فكرة العيون اللوزية التي امتلكتها واحدة من صديقات رؤوف، أعادها المخرج في مشهد يجمع بين ميرامار وجورجيت في مخبأ الحانة، وجورجيت شرحت لميرامارا كيف أنها ستزيّن عينيها بالكحل لتصبحا عينين لوزيتين. حتى الأسماء استل بعضا منها من الرواية أو أصدائها، فسمى المحقق في المكتب الثاني في فترة شارع شيكاغو ببرهان، وهو إيحاء بعيد للمفكر برهان بخاري، ومشغّل السينما دعاه شاكر، وكأنه بشكل غير واع يضع من مشغل السينما رمزا لصانع القصص والحكايات، أي كاتب الرواية.
إن ما يؤخذ على كاتب السيناريو أنه لم يشر إلى الرواية كمصدر من مصادر مسلسله، على الأقل، وتعامل مع المشاهد بفوقية كما لو أنه يجهل كيفية صناعة المشاهد البصرية ومبررات وجودها في أي عرض، خاصة وله سوابق مع أكثر من كاتب في هذا المجال.))
فهل يتلقى العمل رصاصة ثانية قبل أن يكتمل عرضه؟
بقلم : ياقوت

0 Comments

إرسال تعليق