الأحد، 13 سبتمبر 2020

لعبة الدين والسياسة

 

حين نزل عبد الرحمن بن معاوية الأندلسَ ودخل الجزيرة ليحوز مُلك آبائه السليب، استقوى باليمنية هناك واستطاع أن يصرف جهدهم معه ويوظّف حقدهم آنذاك على القيسية الذين كانت لهم الشوكة في صفوف الدولة، فكان أن انتصر بهم وانتصرو به وكانت لهم الغلبة، على أن غلبتهم لم تكن بالقتال وحده؛ إذ لا يتأتى لدولةٍ وليدةٍ أن تنهض بنفسها وبمن جعلت من نفسها قائمةً بأمرهم = لا يتأتى لها أن تنهض بالسيف فقط، بل لا بدّ من إرداف هذا بالسياسة، ولو شئتَ لقلت: بعضًا من الحيل الدنيئة وإذهاب المبادئ القويمة؛ كمثل تجيير بعض علماء الدين ومن لكلمتهم وزنها عند العامة لأن يقولوا ما يُراد قوله ويُشيعوا ما من شأنه أن يقوّيَ طرفًا ويخلق في الوقت نفسه في الطرف الآخر بلبلةً وجلبَةً تجعله يخسر الحرب حتى قبل أن يدخلها..
- وهذا الشيخ فرقد السرقسطيّ أحد أهم علماء الأندلس في ذلك الزمان وهو واحدٌ من تلك الثلة التي إن تكلمت اعتاد الناس -بسذاجة- أن قولهم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ ذلك أنه رجل دينٍ وعالمٌ بالشرع، وكأن هؤلاء قد عُصموا ورُفعت عنهم الأقلام والتكاليف وليسوا كباقي البشر!
قدر ابن معاوية ومقربوه أن يقنعوا الشيخ أن يأتيَ معسكرهم ويشهد أنه مرّ منذ زمنٍ في هذا المكان ومعه صاحبٌ له عالمٌ بالحِدثان وما يكون من أمر الكشف عن الغيب من سترٍ رقيق، وأن صاحبه توقف هنا وقال:
" يُعقد عند هذه الشجرة المباركة لواءٌ يحضره ملكٌ من الملائكة موكلٌ إليه نصرة الألوية في أربعين ألف ملَك، فلا يسير به صاحبه إلى عددّ إلا وتقدمه النصر وهزم أعداءه". 
وبذلك كان لابن معاوية أن يُدخل إلى قلوب جنده أن نصره ونصرهم مكتوبٌ منذ الأزل، ولعل الأهمّ لديه أنه استطاع أن يُضفيَ على ما يقوم به أمامهم صبغةً شرعيةً ودينية، وكيف لا وقد شهد بذلك أحد أهم علماء الدين في البلاد؟! 
وإنك إذ ترى إلى هذا فإنك تخرج بنتيجةٍ مفادها أن السيطرة والغلبة بتمامها لا يُعبر إليها إلا على جسرٍ من العمائم..
ولن ينفكّ ارتباط السياسة برجال الدين حتى تنفكّ هذه الأرض من محورها وتقوم الساعة
- فدع عنك ذاك التقديس الذي تبديه لهم؛ فإن قليله احترامٌ لهم نعم، ولكن كثيره قد يغريهم بما لا يفكرون أن يجترحوه فيفعلوا. 
بقلم: زياد وهبي

0 Comments

إرسال تعليق