الاثنين، 1 سبتمبر 2025

هل نحن جميعاً متطرفون ؟

هل نحن جميعًا متطرفون؟ 

في مجتمعات تبدو في ظاهرها منقسمة بين "المتطرفين" و"المعتدلين"، يخطر لي سؤال : 

هل نحن جميعاً متطرفون ولكن بدرجات مختلفة؟ وهل يمكن أن يكون الاعتدال ذاته، حين يُمارَس دون ضوابط، شكلاً خفياً من أشكال التطرف؟

 المفهوم الواسع:

عادة ما يُربَط التطرف بالدين أو السياسة. تُختزل الكلمة في صور نمطية:
إرهابي يحمل سلاحاً، أو أيديولوجي متعصب لا يسمع سوى صدى أفكاره. لكن هذه الرؤية تختزل ظاهرة إنسانية أوسع بكثير.

التطرف في جوهره، هو الانحياز المفرط لفكرة أو طرف أو انتماء، ليصل أحيانا الى إقصاء كل ما عداه.
وبهذا المعنى، قد تصبح الأم التي ترى أبناءها "أجمل أطفالٍ في العالم" وترفض رؤية عيوبهم، متطرفة في مشاعرها.
والأب الذي يضحي بكل شيء لأجل أسرته دون حساب لتأثير ذلك على الآخرين، يقترب من تطرف عاطفي اجتماعي.
والمواطن الذي يدافع باستماتة دفاعاً أعمى عن طائفته أو قوميته أو حزبه أو حتى فريقه الرياضي، قد يكون أكثر تطرفاً من صاحب رأي إقصائي سياسي أو ديني.

كما يظهر التطرف أيضاً حتى في الإلحاد، حين يتحوّل من موقف فكري إلى حملة عدائية ضد المتدينين، يستخدم فيها نفس الأساليب التي كان ينتقدها، السخرية، الإقصاء، والتعميم. بعض الملحدين او اللادينيين لم يهربوا من التطرف الديني، بل فقط بدّلوا وجهته. 
حتى "الاعتدال" قد ينزلق إلى التطرف حين يتحول إلى قبولٍ مطلق بكل شيء دون تمييز، مما يؤدي إلى تمييع القيم، وإنكار وجود معايير أخلاقية أو قانونية حاكمة. فحين يقبل المجتمع باسم الحرية "كل شيء"، يفرّط أحياناً في واجب التمييز بين المقبول والمرفوض، بين الحق والباطل، فيقع في فخ النسبية المطلقة.

أين الخطأ؟

الاعتراف بهذا الطيف الواسع من التطرف لا يعني تبريره، بل هو دعوة لفهمه وتفكيكه. إذ ليس الخطأ في الانتماء، بل في تحوّل الانتماء إلى هوس. وليس الخطأ في الحب، بل في الذوبان غير الواعي في المحبوب. الخطأ يكمن عندما تتغلب العاطفة على العقل، والانحياز على التوازن، والهوية على الإنسانية.

ما هو الصحيح؟

أن تحب أولادك دون أن تظلم أبناء غيرك.

أن تنتمي لطائفتك أو وطنك دون أن تكره المختلف.

أن تؤمن بفكرتك دون أن تسعى لفرضها بالقوة.

أن تدافع عن الحرية لكن دون تجاهل مسؤولياتها وحدودها.

أن لا تجد عيبا في تغيير الموقف والافكار حين تجد المختلف محقاً.

هنا يبرز مفهوم الحيادية: الفضيلة النادرة كما أسميها

الحيادية لا تعني الخلو من الرأي، بل القدرة على الحكم على الأمور بمعايير مستقلة عن الانتماءات. الحياد هو أن تقول "أنا مع هذا الموقف لأنه صواب فقط لا غير" مهما تعارض مع افكار حزبي وجماعتي أو أي انتماء آخر.
الحياد ان تجيب على التساؤلات أو تبدي النصح بمعزل عن ميولك الشخصي و تجربتك الخاصة دون افتراضٍ مسبق وتعميم واقصاء وصورة نمطية.
الحياد يتطلب شجاعة حقيقية إذ عليك أن تنتقد من تحب، وأن تُنصف من تختلف معه آن لزم الأمر.

في زمن الاستقطاب، يصبح الحياد شكلاً حقيقياً من أشكال البطولة الفكرية.

ماهي الخطوات نحو مجتمع متوازن؟ 

1. التربية على التفكير النقدي: تعليم الأطفال كيف يفكرون، لا أن نعطيهم قوالب جاهزة للتفكير.

2. إحياء الفضاء العام: حيث تُناقَش القضايا بحرية ولكن بأدب ومسؤولية. 
في السوشال ميديا على سبيل المثال كم جميلٌ  لو قرأنا تعليقاتنا مرتين وثلاثة عالاقل ومرة إضافية بعقلية المتلقي قبل النشر.

3. تقوية القانون لا الأهواء: العدالة ليست مشاعر، بل أنظمة تحمي الجميع.

4. التقدير المتساوي للكرامة: لا أحد أفضل من أحد بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو القومية.

5. ترسيخ مبدأ المحاسبة: لا أحد فوق النقد، سواء كان زعيماً، أباً، أو رجل دين.

كلمة أخيرة..

ربما نحن جميعًا متطرفون بشكل أو بآخر، لكن الفرق يكمن في الوعي:

هل نعرف تطرفنا؟ هل نراقبه؟ هل نحاول ضبطه؟

الخطوة الأولى نحو الاعتدال ليست في إعلان أننا معتدلون، بل في تفكيك رواسب التطرف في دواخلنا.

فالاعتدال ليس موقفاً ثابتاً، بل سلوكٌ دائم التجدد، يحتاج إلى وعي، وتواضع، ومراجعة مستمرة.

إعداد وكتابة خالد خضر 

0 Comments

إرسال تعليق