كثيرًا ما تمرّ بي دعوات إلى القراءة في العالم العربيّ، وبخاصّة سوريا، تدعو الناس إلى القراءة (ليكونوا مثقفين) من وجهة نظر ذلك الدّاعي، والذي لاحظته في تلك الدعوات هو أمر من أمرين: إمّا أن تكون تلك الدّعوة فارغة من أيّ نصّ يوضّح أهميّة القراءة للشّخص المستهدف من وراء ذلك المنشور، وإمّا أن تكون الدّعوة يفوح منها عطر التكبّر والنّظرة الدّونيّة للشّخص الذي يدعوه لأن يكون مثقّفًا!
ومعظم تلك الدّعوات من مثل: مبادرة (كذا) تطلق مبادرة توزيع الكتب في الشوارع على المارّة (لتشجيع القراءة)، أو مثلًا تكون الدعوة عاميّة مثل: (عم نوزعلن كتب انو منشان الله بس اقرؤوا)، وهذه الدعوات هي الطاغية بحسب ما أرى.
والحقيقة أنّ مثل هذه الدّعوات لن تلقى القَبول بين سواد النّاس؛ إذ إنّ همّ المواطن العربيّ اليوم لا ينصبّ على تثقيف نفسه -ولو كان هذا الأهمّ بنظري- ولكن على البحث عن لقمة العيش التي تعيله هو وذويه.
فدعوات القراءة في نظري تمرّ بمشكلتين لا تستطيع اجتيازهما، وهما:
أوّلًا: أنّها تفتقر إلى الأسلوب الذي توصل من خلاله رسالتها، وهي رسالة سامية على كلّ حال.
وثانيًا: أنّها تعامل الشخص المستهدف من دون عناية أو معرفة بحاله.
فمثلًا الرجل الذي يترك بيته مع الفجر ويعود عند المساء كيف يمكن له أن يقتنع بقراءة كتاب لكافكا أو لغارسيا ماركيز أو لدان براون؟
كيف له أن يفهم (وحي القلم) أو (العبرات)؟
هو ليس مؤمنًا أصلًا بفكرة الثقافة قدر إيمانه بفكرة الحفاظ على حياته وحياة أبنائه..
الفكرة أنّ أولئك البسطاء الذين أوقفتهم في الشّارع لتعرض عليهم كتبًا من مكتبتكَ في الفلسفة والمنطق ليس عندهم وقت أصلًا لسماعك، هم يسابقون الثواني ليصلوا على الوقت من دون تأخير يعرّضهم لخصم قد يحرم أبناءهم كسرة خبز إضافيّة على الوجبة الوحيدة التي يتناولونها كلّ يوم مع ألف غصّة..
الدّعوة إلى القراءة تحتاج إلى منهجيّة.. المنهجيّة التي تغيب عن العالم العربيّ اليوم كثيرًا.. المنهجيّة في التّفكير، والمنهجيّة في عرض الأفكار، والمنهجيّة في نقاشها، والمنهجيّة في قَبولها أو الإعراض عنها..
العالم العربيّ اليوم بحاجة إلى المنهجيّة حتّى في الكتابة وقول الشّعر..
فإذا لم تكن عندك منهجيّة في فكرة تؤدّي بذلك المُعدم بأن ينتقل من حال الجهل بإمعان إلى حال القراءة بإمعان= فلا تتعب نفسك وتتعب ذلك الجاهل وتذكّره بعوزه لثقافة تنقله من حال خطأ إلى حال صحيحة.. إنّه مُثقلٌ بجهله صحيح، ولكنّه مُثقلٌ بألف همّ وجهله واحد منها..
ادعُ للقراءة بنحو يجعل البائس يقرأ (ولو كان يغرق)، وليس بأن تعرض له صورة ذلك المجسّم في فنلندا ثمّ تطالبه بأن يكون فنلديّ التّفكير، وسوريّ المعيشة!
فإذا لم تكن عندك منهجيّة في فكرة تؤدّي بذلك المُعدم بأن ينتقل من حال الجهل بإمعان إلى حال القراءة بإمعان= فلا تتعب نفسك وتتعب ذلك الجاهل وتذكّره بعوزه لثقافة تنقله من حال خطأ إلى حال صحيحة.. إنّه مُثقلٌ بجهله صحيح، ولكنّه مُثقلٌ بألف همّ وجهله واحد منها..
ادعُ للقراءة بنحو يجعل البائس يقرأ (ولو كان يغرق)، وليس بأن تعرض له صورة ذلك المجسّم في فنلندا ثمّ تطالبه بأن يكون فنلديّ التّفكير، وسوريّ المعيشة!
بقلم: جعفر الدندل
0 Comments
إرسال تعليق