تغيبينَ عني ..
فأعرفُ أنَّي على موعدٍ بالبكاء
وأنَّي تورطت في آخر الليل فعلاً بمليون حزنٍ وحزنِ وأدركُ كم في حضوركِ كنتُ أحبكِ ..
أدرك كم في غيابكِ ما زلت حقاً أحبكِ
أدرك كم كنتِ فيَّ
وكم كنتِ مني ..
وأدرك أنَّ حياتي بدونكِ فوضى ..
وأدرك أنك أنت بلادي
و دونَك صرتُ أعيش بمنفى ..
وأشعرُ أني بلا أيِّ معنى
وأني ضعيفٌ .. وأني سخيفٌ
وأني غريبٌ .. وأني كئيبٌ
وأني .. وأني ..
تغيبين عني ...
فأسأل كيف تعيشين دونَ عيوني ؟
وماذا حياتك إن غبتُ
تعني بدوني ؟
غيابي ؟
وماذا غيابي أمام غيابِك يعني ؟
غيابُك أنت ..
انهيارٌ عظيمٌ بتقويمٌ عمري ..
غيابك أنت خريفٌ طويلٌ بأوراق شعري ..
وقهرٌ جديدٌ يضاف مساءٍ على كل قهري ..
غيابُك يعني
بأنَّ لديَّ حنين ثقيلٌ يعيش بصدري ..
ويعني بأنِّيَ كنت أمثل دورَ
البطولة خلف الكواليس ثم انصدمت هنا ساعة العرضِ
أنَّ غيابَك ألغى مشاهد دوري ..
وأعطاه غيري ..
تغيبين عني ..
فيصبحُ للوقت شكلٌ جديدٌ
تمر الثواني ببطءٍ شديدٍ
تصير الدقيقةُ في الليل عاماً عليَّ ..
أحاول عدَّ النجومِ
لعلِّي أنام قليلاً
لعلي أنام طويلاً
لعلي إذا نمتُ
أنسى خطوط يديكِ
وهذا الحريرَ الملون في شفتيكِ
لعلي إذا نمتُ
أنسى سلامَك ... أنسى كلامَك
أنسى عيونَك
أنسى جنونَك هذا الشقيَّ الشقيا ..
ولكنَّني حين أصحو من النومِ
أنسى جميع ردودي
وأنسى جميع وعودي
وأنسى بأني سأنسى
فأنساك فيَّ ..
تغيبين عني ..
فيصبحُ عندي صديقٌ جديدٌ أسمِّيه شوقي ..
يرافقني حين أمشي وحيداً
بدونكِ في باب شرقي ..
نسير معاً في الأزقة نسألُ
أقواسَها
أجراسَها
أحجارها
أقفالَها
أطفالَها
ونسأل حتى الحمام الدمشقيّْ ..
تراك أتيت صباحاً إليها ؟
تراك مررتِ
وألقيتِ هذا المساء السلام عليها ..
أشكُّ بأنّك كنتِ هنا منذ عشرِ دقائقَ قبلي ..
وإلا لماذا الحمام بصحن الكنائس كان يصلي ؟ ..
ومن أين رائحة الفلِّ هذي تفوح
إذا أنت فعلا هنا لم تمري
أيا كلَّ فلّي ..
ولكنني لا أراك
فأبقى أسير مع الشوق بين الأزقة
حيث بيومٍ سوياً مشينا ..
نمرُّ على الذكرياتِ مرور الحنين على مقلتينا ..
أقول له يا صديقي تخيّل
هناك على حجرٍ في المساء ارتمينا ..
هناك ضحكنا .. هناك بكينا ..
هناك كرهنا .. هناك هوينا..
هناك وقفنا .. هناك مشينا .
هناك نزفنا مساء دموعاً
هناك نزفنا مساء حنينا ..
هنالك قلت أحبكِ
في غفلة من جميع السكارى
هناك سكتنا وكنا حيارى
هنالك قلت أحبك جداً
هنالك قلت أحبك قصداً
هنالك قلت أحبك عمداً
هنالك نامت يداها بكلتا يديا ..
هنالك ألقيت رأسي على كتفيها
هنا وضعت رأسها دون خوفٍ على كتفيا ..
هنالك في حارةٍ قابلتني
هنا عانقتني
هنا وشوشتني
هنا قبلتني
هنا شعرها كان طفلاً شقيا
هنا صوتها كان لحناً شجيا
هنا قطةٌ أرعبتنا
هنا طفلةٌ أضحكتنا
هنا بائع الورد يدعو ليحفظ ربي كلينا ..
هنالك كنا وكنا وكنا
ولم يبقَ شيء يدل علينا ..
تغيبين عني ..
فأهرب بعد رحيلكِ مني
ويهرب مني الكلام الجميل
ويهرب مني الحمام ويهرب مني الهديل
وتلغى الفصول
فلم يبق بعدكِ صيفٌ
ولم يبقَ بعدكِ يوماً شتاءْ ..
تغيبين عني
فتبكي الأغاني معي في المساءْ ..
وترحل خلفك كل المقاهي
وجمر النراجيل والشايُ والبنُ والأصدقاءْ ..
وتغلق كل البلاد دفاترَها
وتحيل هنا للتقاعد كل القصائد والشعراءْ ..
ويبقى البكاءْ ..
تغيبين عني ..
فيلغي غيابُك
كلَّ الحضارة
يلغي الكتابة
يلغي القراءة
يلغي الحديث عن الكبرياءْ ..
وتبقى الأنوثة حكراً عليكِ
فماذا تركت لباقي النساءْ؟
بقلم الشّاعر: طارق بغدادي
0 Comments
إرسال تعليق