الأحد، 26 أبريل 2020

الطفل رقم - 1

أنا نِتاج نَشوةٍ ماتت بعد ٦٠٠ ثانيةٍ، و بَقِيتْ تتمزق في كيسٍ من الدم قُرابةَ التسعةِ شهور ، تُحاوِل الخروج كل يومٍ لتَرسُم الأفق بالألوان بعيداً عن هذا الدم الذي رافقها طَوال تلك المدة..
كان انقطاع مشيمتي عني هو فاتحة الطريق لمشاعر الفراق بالظهور، فقد أُخرجت من الرحم الذي آواني ٩ أشهر لانتهاء مدة العقد الذي كان بيني و بين أمي كي تدخل مستأجرا جديداً بعدي ..
و ها أنا ذا الآن فارقت الأراجيح و كراسات المدرسة و حتى الأحذية المضيئة، معدتي مملوءةٌ بالهواء كأنها مناطيدُ ملونة في سماء المكسيك أو هولندا أو الدنمارك ..
وهذه القماشة الشاحبة مثل لون قشور الليمون في قمامة أحد المطاعم، أهدتني إياها الأيام لا أجمع المال بها ، لأنها لن تسعفني إلا بجمع نفسي داخلها كي تكون الرحم الذي أحيا بداخله مجدداً
و تحتي سجادة الصلاة خاصتي، لِتُصلّوا عليها التكبيرات الأربع كي لا تدخلوني إلى المسجد و أنا متسخٌ حين يتجمد الأوكسجين في رئتيَّ الصغيرتين ..
ابتعدوا عني فهذا الجسر المعدني لي بكل تفاصيله ..
لونه الرمادي الحزين .. إعلانات المنسيين من أبناء جنسهم البشري .. أصوات الأحذية على المعدن المعشق بالصدأ.. و حتى أعقاب السجائر التي يرميها أصحاب الهموم على الأرض فتتسخ..
تحت قدمي التي لا أعرف مقاسها، هناك عشرات الكيلومترات التي تشهد بأنَّي سِرتُها بحثاً عن طفولتي، لعبنا الغميضة فأَجادتْ الاختباء ولم أُجد إيجادها..
لقد أَطَالت الغِياب ، فإنَّ شوقها يُبرِدني على عكسِ ما يُقال بأن الشوق يُؤجج النيران ..
ربما تَبحثُ لي عن مأوى ، أو عِلمٍ أُزَكِّي به نفسي ، و ربما بضعة أوراقٍ بيضاء و أقلامٌ خشبيةٌ ملونة أرسم بها نفسي على أرجوحة العيد ..
هل أسقطت الطفولة حقها عني؟ وأُسقطت عني جريمة الحياة ؟
اعتقدت بأن المعاناة و الموت حِكر على المرضى و نسيت أن النفس تمرض قبل الجسد.
بقلم: حمزة الشالح (دانيال) 

0 Comments

إرسال تعليق