السبت، 25 أبريل 2020

لماذا يستبعد تعرض سورية لزلزال مدمر حاليا !!


زلزال مدمّر سيضرب سورية!!! هل هو حقيقة أم مجرد وهم وإشاعات.
في الأسابيع الماضية كَثُر الحديثُ على منصاتِ التواصل الاجتماعّي عن توقعاتٍ بِقُرب تعرُّضِ سورية لزلزالٍ مدمّر، ما دفعنا في هذا المقال إلى التحرّي عن مدى صحّة هذا الخبر ودقّته، والّذي سبّب موجة رعب وقلق كبيرين داخل سوريا، وحاولنا في رِحلتنا هذه الوصول إلى الجواب الأكثر دقة عن الأسئلة التالية:
هل يمكن للبشر التنبُّؤ بالزلزال قبل حدوثه؟
هل سبق وأن نجحت إحدى هذه التنبُّؤات أم لا؟
ما مدى صحة احتمال تعرض سوريا لزلزال مدمّر حسب المعطيات المتوفرة؟
لمعرفة الحقيقة كاملة نرجو قراءة المقال حتى النهاية.
تحدثُ الزلازل بشكلٍ دائمٍ على وجه الأرض، كظاهرةٍ طبيعيةٍ تضرب عمق اليابسة أو البحر، وعادةً ما يكون لكلّ زلزال بصمته الخّاصة التي تميزه عن غيره من الزلازل.
في بعض الأحيان يكون للزلازل مجموعة من الهزّات الصغيرة التي تسبقه وتمهّد لقدومه وتُعرف بسوابق الزلزال، والتي يقوم العلماء برصدها وتحليلها بشكل منتظم، ثم يضعون التصوّرات بناء على ما جمعوه من بيانات ومعطيات.
ولكن المسألة أعقد ممّا نتصور بكثير فليست كل الزلازل تُعلم بقدومها، إذ أنّ معظمها يخرج من السّكون ويهزّ الأرض بشكل مباغت وفجائي، ويمكن تفسير ذلك بكلّ بساطة بكون الأرض خليط غير متجانس من المواد والصخور.
وهذه العشوائيّة في توزيع الصّخور على الأرض واختلاف مكوناتها وتباين الضغوط عليها، تؤدي إلى استحالة إخضاعها لمعادلات ثابتة ومعايير قياسيّة.
اختصاراً للوقت سننتقل مباشرةً إلى الجزء الأهم، وهو حقيقة التنبُّؤ بزلزال مدمّر قد يضرب سوريا، وبسبب التعقيد الشّديد لخوارزميات التنبُّؤ بالزلازل، وتبسيطاً للموضوع سنبحث في معنى مصطلح التنبُّؤ باعتباره يمثّل إمكانية معرفة زمان الزلزال القادم ومكانه وقوته، أيّ يجب التنبُّؤ بثلاث نقاط أساسية، ومن ثم إسقاط هذه النقاط على الواقع السوري.
فالتنبؤ بوقت حدوث الزلزال يكون إما على المدى البعيد أو على المدى القريب.
فعندما نقول أن زلزالاً سيضرِبُ منطقة معينة خلال السنوات القادمة أي على المدى البعيد، فهذا في الحقيقة أقرب إلى الاحتمال منه إلى التنبُّؤ، وعادة ما يُوضع بعد دراسة تاريخ المنطقة الزلزالي خلال العقود المُنصرمة.
هنا فيما يتعلّق بسورية فالتّاريخ السّوري يقول إنَّ سورية تعرّضت لأربعة زلازل مدمّرة خلال ال1000 سنة الماضية، أي بمعدل زلزال كل 250 سنة، ولكن في الحقيقة فإنّ تواريخ هذه الزلازل بعيدةٌ كلّ البعد عن منطق التكرار كل 250 سنة، لأنّ ثلاثةً من هذه الزلازل حدثت خلال أقل من 100 عام وهي زلزال جنوب سورية سنة 1068، زلزال حلب سنة 1138، زلزال حماه سنة 1157، في حين أنّ الزلزال الرابع ضرب سورية بعد مرور أكثر من 700 عام وتحديداً في حلب سنة 1822، إذاً هذا المؤشر الإحصائي ليس له أي ارتباط بتوقع مواعيد الزلازل بسوريا.
أما التنبُّؤ على المدى القصير أيّ التنبُّؤ بحدوث زلزال خلال أيام أو ساعات محدودة فهو مبني على متابعة دقيقة لزلزال سبقته مجموعة من الهزّات والإشارات والطفرات الفيزيائية والكيميائية في خصائص التربة، وهو يحدث في المناطق ذات النشاط الزلزالي العالي فقط.
ومن الأمثلة المشهورة والنادرة في مجال التنبؤ القصير بالزلازل، نجح العلماء الصينيون في التنبؤ بالزلزال المدمر الذي هز مدينة هيشانج عام 1975، والذي تمّ التنبُّؤ به عن طريق مجموعة الهزّات الصغيرة والمتوسطة التي سبقت الزلزال الكبير وقد بدأت هذه السوابق قبل الزلزال بأربعة أيام فقط.
وبالنسبة للوضع السوري نجد استحالة إسقاط التجربة الصينية عليها، وذلك بسبب وقوع سورية ضمن منطقة نشاط زلزالي ضعيف، ما يقلّل جداً من احتمال حدوث زلزال مدمّر، ويزيد من احتمالات حدوث هزات بسيطة متكررة بشكل دائم دون أن تشكل أيّ تمهيد مسبق لحدوث زلزال مدمر.
وفيما يتعلق بقوّة الزلزال فمن الضّروري الإشارة إلى أن القشرة الأرضية تتعرضُ سنوياً لأكثر من 40 ألف هزّة خفيفة - دون ال4 درجات - مشابهة للهزّات التي شهدتها سورية في الأسابيع الماضية، وبحسب عدد كبير من المراجعِ العلميّةِ الخاصة بالزلازل، فتكرار الهزّات الأرضية الخفيفة بشكل متتالي يؤدّي بالضرورة لأحد الاحتمالات الثلاثة التالية:
الاحتمال الأول: أن تكون هزّات عاديّة روتينيّة تحدث بشكل متكرر، وذلك في المناطق ذات النشاط الزلزالي المنخفض.
الاحتمال الثاني: أن تكون هذه الهزّات عبارة عن تفريغ سلس للطاقة الكامنة في جوف الأرض، وفي هذه الحالة فإن النشاط الزلزالي البسيط يقي المنطقة من زلزال كبير، نتيجة تفريغ الطاقة الكامنة على شكل هزّات بسيطة.
الاحتمال الثالث: أن تكون هذه الهزّات مقدّمة وتمهيداً لزلزال كبير مدمّر، وهو ما يحدث فقط في المناطق ذات النشاط الزلزالي الحاد مثل زلزال الصين الذي تحدّثنا عنه.
بإسقاط هذه الاحتمالات على الوضع السوري، نجد أنّ سورية تقع ضمن منطقة نشاط زلزالي ضعيف، ما يُبقيها قطعاً ضمن الاحتمالين الأول والثاني، وبالتالي فإنّ هذه الهزّات البسيطة المتتابعة التي تحدث تُمثّل عاملاً وقائيًّا يحمينا من خطر زلزال مدمّر، وليست مؤشراً علميًّا منطقيًّا لقرب حدوث هكذا زلزال.
وقبل ختام الحديث لابدّ من التذكير بأنّ إشاعة ضرب زلزال مدمّر لمنطقة الشرق الأوسط ليست بالجديدة، وتكررت كثيراً عبر التاريخ، وأخص بالذكر إشاعة ضرب زلزال مدمّر لفلسطين المحتلة عام 2011، ومثيلتها من الإشاعات تكررت في العراق سنة 2016.
إذاً خلاصة المقال هي أن التنبُّؤ بالزلازل أمرٌ أكثر تعقيداً مما نتخيّل، ولن أُبالغ إذا قلت إنها غايةٌ لم تُدرك حتى يومنا هذا، فاليابان التي تسبِقُ العالمَ أجمع بالتقدّم التّكنلوجي، ومع وقوعها بمنطقة نشاط زلزالي عالٍ، فقد عجزت عن التنبُّؤ بأيّ زلزال، وكرّست التكنلوجيا لتطوير المباني المقاومة للزلازل بعد اقتناعها التام باستحالة التنبُّؤ بمكان وزمان وقوة أي زلزال.
ودمتم بألف خير.
اعداد : محمد هاني حرح
لمشاهدة فيديو المقال من هنا

0 Comments

إرسال تعليق