الاثنين، 6 أبريل 2020

عن الفقد


أفتقدكِ، ولست أدري إن كانت هذه هي الكلمة المناسبة؛ إذ لستُ من أهل الكلام كما تعلمين، ولم تتفتّق من لغتي المعاني إلّا عندما أتاني كتابك يحمل معانيكِ، فكان لا مفرّ من أن أقرأ، فقرأت، فعرفتُ عن نفسي منكِ أكثر ممّا عرفتُ عنكِ، كأنّ الحُبّ قشّرني كتفّاحةٍ في ليلة أُنس، فتبدّى منّي ما لم أكنه.
والآن، أين مراياكِ أرى فيها حقيقة الأيّام، وأين يدكِ كلّما تاهت دروبي أومَت: مِن هنا؟
قديم الوحدة أنا، ربُّ بيتها، أقدُّ لها من خشب قلبي، فتلتصق بدفئي أكثر، وأطعمها استغنائي، فتستحيل أنا، لكنّكِ طردتها إلى العراء، حطمتِ صنمها فيّ، وجلستِ تفركين كفّين من حنان أمام ناري، فعرفتُ من حينها أنّكِ ثمرة الصّبر الجميل.
أعدُّ اختياراتي في لعبة الحياة هذه، فلا أحتاج إلى يَدٍ كاملة الأصابع، ولكِ أن تتخيّلي ما تفعل الأيّام برجُلٍ لا يختار، وحين قلتِ: مرحباً قلتُ: أريد، فكنتِ مصيري الذي ظننتُ أنّني انتزعت قرار تحديده من عين القدر، ولكنْ يا خيبة أنداد القدر!
يباغتني اسمك، يضع يديه على عينيّ، ويسأل مشاغباً: من أنا؟ فيبدأ النّهار، وتقلّبين جمر الأيّام، وتكبتين شهوتي للجهات، والأماكن، والآخرين، وتفتحين باب لا شيء.
رنّ الهاتف، فقمت إليه متكاسلاً؛ لأنّني أدرك المسافة بيني وبين صوتك، فكان أحد الآخرين، يشدّني نحو واقعٍ لا تشاركينني في أزماته، فقلت: أنا أكتب الآن.
أكتب؟ نعم، فالحقيقيّون الذين يتحدّثون بلسان القلب يستطيعون شرح ما بداخلهم أكثر ممّن يتقنون لعبة الكلمات، ويجرّون ما لم يعيشوه جرّاً إلى مذبح الكلام، وقد يكفيكِ منّي أنّني قلمكِ وحدكِ، منذ أن أدركتُ كم تعيش الكلمات طويلاً، وتَهَبُ الخلود.
عنيدٌ، وسأظلّ أبحث عمّا ينفي أنّني فقدتك.
من دونك، وسأكون شاكراً للحياة إن هي سوّرتكِ بالأحبة.
أحبّكِ، وهذا إرثي الكبير، الذي شقيتُ لجمعه، من أوّل سلام الغريب إلى دمعة السلام الأخير.
بقلم: نور كريدي

0 Comments

إرسال تعليق